SCAHR Home

“نحتاج إلى شخصٍ ما لإيصال أصواتنا”

ملاحظات وأفكار من إجراء أبحاث نوعيّة عن بُعد في سوريا

ما الهدف من إجراء أبحاث نوعيّة عن بُعد في مناطق النّزاع؟

هناك مبرّرٌ أخلاقيّ قويّ لإجراء أبحاث في الأماكن المتأثّرة بالنزاع  ، ألا وهو توثيق العواقب المباشرة وغير المباشرة للنزّاعات المسلّحة على صحّة السكان وصياغة التّدخلّات الصحيّة الملائمة ثقافياً والمراعية لظروف النزاع والتي تتوافق مع أولويّات المجتمعات المتضرّرة . إضافة لذلك هناك حاجةٌ ملحّة إلى إجراء البحوث العمليّاتية بين المؤسسات الأكاديميّة والمنظمّات الإنسانيّة لتقديم تدخّلات معتمدة على البراهين العلميّة لتلبية احتياجات السكان المتضررين من النزاع والعاملين في المجال الإنسانيّ – بما في ذلك مقدّمي الخدمات الصحيّة. يعتبر البحث النوعي مفيداً بشكل خاصّ لتفسير التجارب الحيّة المُعاشة للحرب و المساعدات  المقدّمة ولمواجهة السرديّات المهيمنة للأزمات.

برزت خمسة معايير أساسيّة من عملنا البحثيّ ، والتي يمكن استخدامها لتقدير مدى ملاءمة وجدوى إجراء الأبحاث عن بُعد ، ندرجها هنا :

1- ما مدى ملاءمة الطّرق المطبّقة عن بعد للإجابة على سؤال البحث ؟

إن الجدوى من إجراء البحث قد تحدّد ، إلى حدٍّ ما ، الطّرق المتبّعة لتنفيذه في البيئات المتأثّرة بالنزاع ، مع الأخذ في عين الاعتبار أهميّة توافق هذه الطرق مع سؤال البحث وأهدافه .

 2- ما مدى ملاءمة الطّرق المطبّقة عن بُعد للوصول إلى المشاركين/ات المستَهدفين/ات في البحث؟

يُعتبر من المهم في بداية الأمر تحديد فيما إذا كان المشاركون/ات المستَهدفون/ات في البحث يعيشون في مناطق ذات اتّصال جيّد بالإنترنت ، ولديهم إمكانية الوصول إلى تقنيات الاتّصال الضّرورية ، وكونها مألوفة الاستخدام بالنسبة لهم/لهنّ. على سبيل المثال ، ربّما تكون الطّرق المطبّقة عن بُعد مفضّلة لدى فئة الشّباب أو الطّلاب ، حيث أنّهم غالباً معتادون على المشاركة في المكالمات الجماعيّة والاجتماعات عبر الإنترنت .   بالمقابل قد تجد الفئة الأكبر سنّاً أو الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى خدمات الإنترنت ، صعوبةً في المشاركة بطرق البحث المجراة عن بُعد . في مثل هذه الحالات ، وفي حال سمحت لجنة الموافقات الأخلاقيّة للأبحاث، يمكن أن يطلب المشارك/ة الحصول على المساعدة من قريب/ة أو صديق/ة أصغر سنّاً معتاد/ة على استخدام مثل هذه التّقنيّات.

إضافةً لما سبق، من المهمّ الأخذ بعين الاعتبار التّواصل و تطوير العلاقات مع المشاركين في البحث عن بُعد بطريقةٍ هادفةٍ وأخلاقيّة . على سبيل المثال ، يساعد الاعتماد على الشبكات المهنية والشخصية الموجودة مسبقاً وتسخيرها في تعزيز علاقاتٍ جديدةٍ عن بُعد . من المهمّ أيضاً تقدير فيما إذا كان اتّباع طرق البحث عن بُعد قد يستبعد مشاركين/ات معينين/ات ويعزّز مظاهر عدم المساواة وفيما إذا كانت هناك أيّ آليّات للتخفيف من ذلك .

3- هل من المحتمل لطرق البحث المجراة عن بُعد أن تساعد في التغلّب على القيود المالية الملازمة لإجراء البحوث؟

عادةً ما يكون من الصّعب تمويل الأبحاث في الأماكن غير الآمنة والمتأثّرة بالنّزاع  لكن  هذا لا ينبغي أن يكون الاعتبار الأساسي لإجراء الأبحاث عن بُعد . عادةً ما يكون إجراء البحث عن بُعد أكثر فعاليّة من حيث التّكلفة الماديّة  . يمكن أن يكون هذا مفيدًا مثلاً في إجراء مقابلات على جولاتٍ متعدّدة  ، أو في مناطق تسيطر عليها مجموعات مختلفة أو في بلدانٍ متعددة .

4- هل يتمّ الامتثال بمعايير البحث ومتطلّباته الأخلاقيّة ؟

إنّ إشراك لجنة مراجعة الأخلاقيّات واتّباع معاييرها هو أمرٌ بالغ الأهميّة حين القيام بالبحث عن بُعد في البيئات المتأثّرة بالنّزاع  . لكن ينبغي الإِشارة هنا  إلى أنّه يمكن أن يؤدي إشراك مجالس المراجعة الأخلاقيّة التي تسيطر عليها سلطاتٌ غير شرعيّة أو متنازع عليها في الأماكن المتأثّرة بالنزاع إلى تعريض المشاركين/ات في البحث للخطر .

5- هل تسمح الطّرق المطبّقة عن بُعد بالمشاركة المجتمعيّة في تصميم البحث ؟

هذا يتطلب فهم كيفية إشراك المجتمع المحليّ بشكل منسجم مع الواقع المحلّي ولا يتمّ التّعامل معه على أنّه “إجراءٌ شكليّ”. يحتاج الباحثون/ات إلى تقييم الآثار المترتّبة على المشاركة عن بُعد مع الأفراد والمجتمعات ، للتأكّد من أنّهم لا يعرّضون أيّ شخص لمخاطرٍ إضافيّة أو يعزّزون هياكل السّلطة غير المتوازنة (على سبيل المثال ، عن طريق إعادة إنتاج ديناميّات إقصائيّة) . يمكن أن يساعد إجراء محادثاتٍ غير رسميّة مع مجموعةٍ واسعةٍ من المشاركين والفاعلين -قبل تصميم وتنفيذ البحوث أو قبل نشر نتائجها- في زيادة الاستجابة من المشاركين/ات في الدراسة وآليّات حمايتهم/نّ  . قد يكون مفيداً رصد النّقاشات المجتمعيّة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ عن كثبٍ وبشكلٍ منتظم ، لا سيما في المناطق التي يمنع فيها القمع والعنف من الوصول إلى وسائل الإعلام العامة .

إن الحاجة إلى تكوين أدلة وبراهين في الأماكن التي تعتبر غير آمنةٍ ويسكنها أفرادٌ مستضعفون أو من المحتمل أن يكونوا معرّضين/ات للخطر (مثل الأشخاص المتضرّرين من النّزاع والذين قد لا يكون لديهم وسيلة للتّنقل) ، دفعت المجتمع الأكاديميّ إلى دراسة الأماكن المتأثّرة بالنّزاع عن بُعد . هذا وقد تزايد الاهتمام بطرق البحث عن بُعد بين علماء الاجتماع ، وأثارت قيود السّفر المتعلّقة بكوفيد-19 لديهم الاهتمام بالطرق والأدوات الملائمة . 

بالاعتماد على خبرة تطوّرت عبر عدّة سنوات في إجراء أبحاث نوعيّة عن بُعد في سوريا، ناقشنا بعض التّحديّات والأساليب لإجراء أبحاثٍ عن بُعد تكون هادفةً و أكثر شمولاً وتشاركيّةً.  تعتبر الأمور اللّوجستية والأخلاقيّات وسياسات إجراء البحوث عن بُعد من التحديّات الأوسع نطاقاً فيما يتعلّق بالأبحاث الصّحيّة في المجالين العالميّ والإنسانيّ .  إنّ مفتاح نجاح طرق البحث عن بُعد هو جودة العلاقات التي يحتاج الباحثون إلى تطويرها مع المشاركين/ات في الدّراسة بغياب التّفاعل على المستوى الشخصي وبمشاركةٍ محدودةٍ على أرض الواقع.  يجب أن يكون للباحثين/ات رابطةً فعليّة بالمجال الذي يجرون عليه البحث،  يعتبر هذا أمراً بالغ الأهميّة لتقليل احتمال كون النّتائج  استغلاليّة بالإضافة إلى تعزيز جودة تفسير النّتائج .



ترجمة عمر الحراكي

طبيب مقيم سابق في قسم الإصابات وجراحة العظام في مستشفى باب الهوى ، إدلب ، سوريا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Follow by Email