لقاحات كوفيد-19 قيد الانتظار …لكن إلى متى؟
مع تسارع الإصابات والوفيّات العالميّة، سارعت العديد من شركات الأدوية لإنتاج لقاحاتٍ للوقاية من الإصابة بفايروس كوفيد-19.وكان للدّول مرتفعة الدخل الحصّة الأعظم منها، بينما وجدت الدّول ذات الدّخل المتوسّط والمنخفض نفسها وحيدةً أمام هذا الوباء العالمي المرعب. في الآونة الأخيرة وعدت مبادرة كوفاكس العالميّة بتزويد سوريا بكميّات من اللقاح تكفي لتطعيم حوالي 20% من السكّان . مبادرة كوفاكس هي مبادرة عالميّة تجمع ما بين اليونيسيف، غافي، ومنظمة الصحة العالمية وتهدف إلى تسهيل الوصول المنصف إلى لقاحات كوفيد-19حول العالم . وافقت حكومة النّظام السوري على الانضمام لهذه المبادرة ممثّلةً بوزارة الصّحّة في دمشق، لكنّها في نفس الوقت صرّحت ” أنّ اللّقاح لن يأتي على حساب السّيادة السّورية ” في إشارةٍ منها إلى أنّها قد تمنع دخول اللقاح للأراضي الخارجة عن سيطرتها، ما أثار مخاوف المنظمات الحقوقيّة من استخدام النظام ملف اللقاحات كسلاح جديدٍ في الحرب عن طريق ما فعله خلال السّنوات السّابقة حيث منع توزيع و دخول المساعدات الإنسانيّة إلى المناطق الخارجة عن سيطرته.
يعتبر هذا الأمر مثيراً للقلق ، خصوصاً أنّ النظام في دمشق يزعم أنّه سيوفّر لقاح كوفيد-19 في 14 محافظة سورية من أصل 15 ، وسيتمّ إرسال حصّة مناطق سيطرة الإدارة الذاتية من اللقاحات في شمال شرق سوريا إلى دمشق . وبالتّالي ، ستكون وزارة الصّحّة في دمشق ، إلى جانب منظّمة الصّحّة العالميّة واليونيسيف ، مسؤولةً عن توزيع اللقاحات في المناطق التي يسيطر عليها النّظام ومنطقة شمال شرق سوريا التي لا تملك الوصول إليها بشكلٍ فعليّ . تأتي الأخبار متضاربةً من مناطق سيطرة النّظام السّوري عن وصول جرعاتٍ من لقاح كوفيد-19 الرّوسي تارةً أو الصّيني تارةً أخرى دون بياناتٍ رسميّة أو سياسةٍ واضحة أو أولويّات تنتهجها السّلطات الصّحية في دمشق لتوزيعها. ممّا يجعل الأمر معقّداً لانعدام الشفافيّة والخوف من الانتقام السّياسي والتّوزيع غير المعروف لهذه اللقاحات والتي لن تلبّي سوى حاجة قلةٍ قليلة من السّوريين. قد تكون هذه الكميّة من اللقاحات إمّا جزءاً من الاتّفاق الإسرائيلي مع النّظام لتبادل الأسرى1 أو نتيجةً لمنحةٍ من الصّين غير مصرّح بها رسميّاً.
في مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قد يبدو الأمر مختلفاً نوعاً ما، فعلى الرّغم من وجود سياساتٍ واضحةٍ وآليّةٍ محددّة لإدخال اللقاحات عبر معبر باب الهوى وتوزيعها إلى فريق لقاح سوريا بالتّنسيق مع اليونيسف، إلا أنّ تاريخ استلام الدّفعة الأولى منها و التي من المفترض أن تكفي 3% من السكان أو الدّفعات اللاحقة (17%) غير معروف . من المتوقّع وصول حوالي 224 ألف جرعةٍ في بدايات شهر أيّار (مايو) على الرغم من أنّ الموعد غير مؤكّد. من المقرّر أن تتلقّى مناطق شمال غرب سوريا لقاح ” أسترازنيكا/أوكسفورد ” حيث أنّ كوفاكس تدعم توزبع اللقاحات التي تخزّن بدرجات حرارة العادية من + 2 درجة مئوية إلى +8 درجة مئوية خلافاً للقاحات الأخرى مثل فايزر أو مودرنا التي تتطلب الحفظ في درجات حرارةٍ منخفضة للغاية. إن إجراء التّطعيم سيكون اختياريّاَ بناءً على توصيات السّلطات الصحية. كما هو الحال مع سياسات كوفاكس ، ستشمل الفئات المستهدفة للتّطعيم الكوادر الصحية و المسنّين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مصاحبة مزمنة نظراً لقلّة عدد الجرعات المتوفّرة. ومن المقرّر أن يُعطى اللقاح على جرعتين يفصل بينهما 8 إلى 12 أسبوع .
من الجدير بالذّكر أن بعض السّوريين مازالوا يشكّكون بفعاليّة اللقاح وأمانه، في حين أبدى بعض الأشخاص ردّة فعلٍ سلبيّةً جدّاً تجاه تلقي اللقاح مؤمنين بنظريّات المؤامرة ومعتقدين أنّ اللقاح سيزيد من انتشار المرض خصوصاً مع نظامٍ صحّي أنهكته الحرب، وللأسف بعضٌ من هؤلاء المشكّكين هم عاملون في القطاع الصّحي؛ الأمر الذي يثير المخاوف حول تقبّل عامّة النّاس فكرة تلقّي اللقاح، وبغياب بياناتٍ دقيقة واستطلاعاتٍ للرّأي حول هذا الأمر في المجتمع السّوري ، يبقى نشر الوعي بين النّاس حول مسألة اللقاح لضمان تقبّلهم و مساهمتهم في تحقيق سلامة الجميع هو الحلّ الأمثل. ونأمل أن يدعم تمويل كوفاكس ذلك على الأقل بالنسبة إلى 20٪ من السكان الذين سيتم استهدافهم في البداية.
رصد فريق “منسقو استجابة سورية” في استبيانٍ لهم في مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا مدى تقبّل المجتمع لأخذ لقاح فيروس كوفيد-19 في حال توافره، وبلغ عدد المشاركين في الاستبيان 14731 شخصاً، منهم 44% ذكور و56% إناث و أشارت النتائج إلى أن ما يقرب من 72٪ سيكونون على استعداد لتلقي اللقاح بمجرد توفره بينما لم يرغب 18% منهم بأخذ اللقاح في حال توفّره و البقيّة لم يكونوا متأكدين من قرارهم وكانت نسبتهم 10%. وبخصوص المخاوف بشأن تلقي اللقاح، أبدى 49% مخاوفهم بشكل واضح، أمّا 28% فأعربوا أنّ لديهم مستوى معين من القلق ، بينما أكّد 23% عدم وجود أيّة مخاوف من تلقي اللقاح.هذه النّتائج وإن بدت واعدةً بعض الشيء إلا أنّ الواقع يظهر الكثير من الشّكوك لدى الشّعب السّوري تجاه هذا اللقاح والتي ينبغي التعامل معها كأولويّة قبل تنفيذ حملات التطعيم.
ختاما نذكّر بأنّ الخلاص من جائحة كوفيد-19 هو مسؤولية دوليّة ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كان السّوريون جميعاً في مختلف مناطق السيطرة داخل سوريا قادرين على الحصول على اللقاحات .
بقلم فريق أبحاث شمال غرب سوريا (NWS-RT)