SCAHR Home

نحن باقون ولن نرحل…

ما هو المحرّض الأساسي على الهجوم الأخير الوحشي على فلسطين المحتلّة؟ لماذا لا يعترف العالم بالسبب الجذري للمشكلة؟ ما هي أنواع علاقات القوة والمصالح والمقايضات التي تؤثر على القادة الغربيين والخطابات الإعلاميّة بشأن فلسطين؟ وما الذي يجب تغييره حتى ينتهي هذا العنف السياسي الوحشي، حتى يتوقف كل هذا الموت والإصابات والإعاقات الجسديّة والتعرّض للإرهاب النفسي؟

بدأت الأحداث في حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقيّة في فلسطين، حيث عانى ويعاني الفلسطينيون لسنواتٍ طويلة من ممارسات الصّهاينة المتعلقة بإخلاء الفلسطينيين من بيوتهم واستلابها منهم، حيث يأخذ المستوطنون اليهود الإسرائيليون منازلهم. وبالرّغم من أن هذه الممارسات غير قانونيّة على الإطلاق وفقًا لاتفاقيّات جنيف، إلا أنّها تشكل جزءًا أساسياً من سياسات الحكومة الإسرائيلية التي تتبعها في المنطقة لتهويد القدس. قامت العديد من الاحتجاجات في الشهر الماضي ضد حملة الإخلاء القسري الأخيرة للفلسطينيين من منازلهم في تلك المنطقة، وكانت استجابة الشرطة الإسرائيلية لاحتجاجات المدنيين الفلسطينيين العزّل عنيفةً للغاية. علاوة على ذلك ، منعت إسرائيل منذ بداية شهر رمضان المبارك تجمعات الفلسطينيين في البلدة القديمة من القدس الشرقية وفي المسجد الأقصى. بالإضافة إلى اقتحام قوّات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى، في العاشر من أيّار 2021، أثناء أداء الصّلاة. حيث أصيب مئات الفلسطينيين بالرّصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، وفقد البعض أعينهم ونُقل أكثر من خمسين منهم إلى المشافي لتلقّي العلاج.

أثارت الوحشيّة الإسرائيلية في القدس الشرقيّة غضب حماس في قطاع غزّة ، الذي كان بالفعل أسيراً للحصار الخانق بظروف عامّةٍ صعبةٍ للغاية وتدهور الأنظمة الخدمية بما فيها النظام الصحي المشرف على انهيارٍ حقيقيّ . بدأت حماس في العاشر من أيّار، كردٍّ منها على وحشية الممارسات الإسرائيلية، بإطلاق صواريخ محليّة الصنع بشكل رئيسي على المناطق الإسرائيلية. وكان ردّ إسرائيل -التي تمتلك أحد أقوى الجيوش في العالم- باستخدامٍ مفرطٍ للقوّة ودون أي خوف من أي محاسبةٍ أو عقاب . حيث أرسلت حوالي مئةٍ وخمسين طائرةً مقاتلة لقطاع غزّة، بالإضافة إلى طائرات الهليكوبتر التي يُفترض أنّها موجّهة ضدّ أهدافٍ عسكريّة وقادةٍ من حركة حماس . حيث أنّ الواقع مختلفٌ تماماً فإنّ الضّربات الدّقيقة ضدّ أهدافٍ عسكريّة هو أمرٌ شبه مستحيل في قطاع غزّة  التي تصنّف بالبقعة الجغرافية الأكثر كثافةً سكّانية على وجه الأرض. تؤدّي مثل هذه الضربات بشكل حتميّ إلى قتل مدنيين أبرياء الذين يُنظر إلى خسارتهم على أنّها أضرارٌ جانبيّة !
حتى صباح يوم الثّامن عشر من أيار قُتل ما لا يقلّ عن 212 فلسطينياً جرّاء القصف الإسرائيلي الأخير ، من بينهم ما لا يقلّ عن 61 طفلاً و36 امرأة وجرح حوالي الأربعة آلاف، مقابل مقتل عشر إسرائيليين بصواريخ حماس من بينهم طفلين وجندي إسرائيلي واحد.

يتوجّب على إسرائيل إيقاف ممارساتها الطائفية العنيفة، بما فيها ممارسات الإخلاء في حيّ الشيخ جرّاح وهجمات الأقصى والهجمات على غزّة، والتّمييز العنصري الممنهج والخطير ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، حيث يتمّ التّعامل معهم على أنّهم مواطنون من الدّرجة الثّانية. في ظل كلّ هذه الأحداث المأساوية، فقد نبع بريقُ من الأمل من كون هذه الأحداث وحّدت جميع الفلسطينيين في الضّفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزّة وداخل إسرائيل وخارجها وفي بلدان الشّتات. حيث ظهرت بسالة وشجاعة الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني في القدس الشرقية الذي أبدى وعياً حيوياً مذهلاً كما انعكس سعيهم وتقديرهم لكرامتهم وحريتهم على مواقفهم الشجاعة . فعل مقاومةٍ حقيقي مدعّم ب “عمودٍ فقريّ وطنيّ قوي”.

بالنّظر إلى هذه الأحداث الأخيرة، أجد أنّه من المزعج أنّ العديد من وسائل الإعلام الغربيّة وحتى العربيّة، وكذلك العديد من الحكومات الغربيّة، لا تزال تركّز على أعراض الأحداث دون التطرّق إلى السبب الجذري لهذه المشكلة. والمثير للدّهشة أنّ العالم يبدو أكثر انزعاجاً من قصف إسرائيل وتدميرها لمبنى مكتب أسوشيتد برس في مدينة غزّة أكثر من قصف وتدمير منازل سكان غزة الذي استهدف المباني السّكنية متعددة الطّوابق حيث تعيش العائلات وطرحها أرضاً، مما أدى إلى سقوط المدنيين وتهجير من نجا منهم من بيوتهم دون وجود أي وجهة أو مأوى يلجؤون إليه واضطر البعض إل اللجوء إلى مدارس الأونروا غير المجهّزة . بالإضافة لكلّ هذا نجد أنّ وسائل الإعلام الغربيّة تزوّد بالمعلومات التي تضلّل المتلّقين ليتم اعتقاد  أنّ الفلسطينيين والإسرائيليين متساوون في هذه الحرب. عندما تكون إسرائيل هي المحتلّ والمستعمر والفلسطينيون تحت سيطرة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي يستمرّ هذا التستّر. إلا أنّه توجد بعض الاستثناءات حيث أصبحت بعض وسائل الإعلام أكثر صراحةً حول كيان الفصل العنصري الإسرائيليّ وكذلك المشروع الاستعماري الإسرائيلي، من ضمنها مقال مذهل في صحيفة نيويورك تايمز أوبينيون نُشر مؤخراً يوضّح حق اللاجئين الفلسطينيين المشروع بالعودة إلى ديارهم. ربما يكون هذا التّغيير في طريقة التعاطي مع القضية الفلسطينية أحد الآثار غير المباشرة لحركة Black Lives Matter في الولايات المتحدة، والتي أيقظت العالم على الظلم والتمييز البنيوي والمنهجي والقهر ليس فقط ضدّ مجتمع السّود في الولايات المتّحدة، بل لآخرين في أماكن أخرى، بما فيهم الفلسطينيون.

كان إنشاء الكيان الإسرائيلي كفارةً لما اضطر اليهود على معاناته في أوروبا على حساب الفلسطينيين الذين ليس لهم أي علاقة بمعاداة السامية الأوروبية لا بشكل ولا بآخر! ويستمرّ هذا الإرث إلى اليوم مع وجود ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتظرون الحصول على حقهم في العودة إلى ديارهم . بينما يستمر الاحتلال العسكريّ الإسرائيليّ واستعماره للضّفة الغربية وقطاع غزّة بالإضافة إلى القدس الشرقية، ساعياً وراء إخلاء الأرض من أهلها ليضطر الفلسطينيون للعيش في ظل نظام الفصل العنصريّ والحصار الخانق في قطاع غزّة.

إنّ الاعتراف بالظلم الذي حلّ بالفلسطينيين ومعالجته هو أمرٌ لا بدّ منه وهو أمرُ جوهريّ لمعالجة القضية الفلسطينية. يجب ضمان العدالة والحرية والسيادة وتقرير المصير للفلسطينيين. يجب إنهاء الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي للضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية الفلسطينية، وقطاع غزة؛ كما يجب أن يعود أهل الأرض -اللاجئون الفلسطينيون- إلى ديارهم.

– في 21 من أيّار 2021 ، تمّ الاتّفاق على وقف إطلاق النّار بين حماس وإسرائيل. لكن لن تزول أيّ من القضايا المذكورة أعلاه مع تنفيذ وقف إطلاق النّار .

بقلم الأستاذة الجامعيّة ريتا جقمان ، جامعة بيرزيت

رام الله، الضّفة الغربية، الأراضي الفلسطينية المحتلة

ترجمة: حلا مخلّلاتي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Follow by Email